تمنحك محافظة أوكيناوا التي تقع في أقصى جنوب اليابان لمحة عن الفردوس ولكونها جنة وارفة ضلت طريقها إلى الأرض، فإنها تستهوي السياح بطبيعتها السرمدية وتغويهم بخضرتها التي تبعث الرغبة على التحليق.
يمكن للسياح أن يستمتعوا بالرياضات البحرية في المحيط المملوء بالشعب المرجانية العالمية، كما يمكنهم أيضاً الخروج في رحلات برية لمشاهدة روعة غاباتها التي تأوي العديد من الحيوانات النادرة والأليفة، أما إذا كنت تبحث عن الاسترخاء والاستجمام الرائع، ففي أوكيناوا الكثير من أماكن الاستجمام التي بها مرافق التجميل وحمامات الغسل المعدنية، فمنذ سنوات خلت كانت مملكة «ريوكيو» تزدهر في هذه المنطقة، فلا تزال صدى تلك الحقبة القديمة بارزة في الثقافة التقليدية الفريدة التي تتميز بها هذه الجزر، والتي توارثت على مدى أجيال، ولعالمية تقاليدها فإنها مألوفة لدى السياح.
حالياً، تشهد هذه الجزر الجنوبية الذكرى المئوية المميزة على ميلادها، إن للعلماء الذين يذهبون إلى أوكيناوا رغائبهم وأهدافهم الخاصة، أما نحن فقد ذهبنا إليها بحثاً عن أسلوب حياة الأوكيناويين الرفيعة والمملوءة بالأسرار.
التنزه في أنحاء أوكيناوا
يستغرق التجوال بالسيارة من حي اشيغاكي إلى بقية أجزاء الجزيرة 4 ساعات، ولكونك هنا في اليابان، هناك ماكينات آلية لبيع المشروبات الباردة، فهي توجد حتى في الأزقة الهادئة، ولكن العطش ليس بمسألة كبيرة - إذا كنت في محطة الحافلة عند الصباح الباكر بجانب البيت الأبيض الصغير في منطقة اغانزاكي، فسوف تجد قبالة المحطة صخرة تشبه الأحذية التي تضطر لبسها عند دخولك إلى أي منزل ياباني، أما الجلبة داخل غابات الأشجار الموجودة عند التلة تعتبر إيذاناً ببداية الحفل من قبل الصيادين وكلابهم، حيث يتوغلون داخل الأدغال بحثاً عن ذكر الخنازير البرية.
وبالتوجه أبعد قبالة الساحل الشرقي، هناك طريق يؤدي إلى شاطئ سكوجي، تجد منحنيات رمالها وقد جرفتها المياه، مع فندق وحيد بالجوار، فهذا الشاطئ يتسم بالهدوء والرقة، فاليوم لم أرَ غير امرأة تمارس رياضة اليوغا على الرمال، ولم يكن هناك غير أصوات حشرات الزيز، أما بقية الشواطئ حول جزر يياما فتنتشر على رمالها بقايا مرجان بحجم إصبع اليد بألوانها البيضاء، وقد جرفتها عمليات المد والجزر خارجاً، حيث تصدر أصواتاً كاصطكاك الزجاج المحطم عندما تطأها أحذية السياح، يستخدمها السكان المحليون في حدائق منازلهم لتصدر صفيراً عندما تهب الرياح القوية، أو كثقالات ورق أو كمقبض للعصي.
خليج كابريا الفيروزي
أما خليج كابريا فيوفر فرصة سهلة لرؤية الشعب المرجانية الحية، حيث تتمتع من خلال القوارب الزجاجية من الأسفل بمنظر الأخاديد والممرات الضيقة لباطن البحر بصورة أكثر تعقيداً من خارجها، فأسفل مياه الخليج الفيروزية اللون هذه توجد أسماك الكلاون، وأسماك الموريش ايدول الرفرافة بين الشعب المرجانية، بالإضافة إلى رخويات بحجم محمصة الخبز الكهربائية، فهذه الأنواع الفريدة من الأسماك التي اكتشفت قبل مئة عام لا يعرف عنها الكثير.
وهي تجلس في منزلها العامر ذي السقف المكسو بالآجر، أو اللبنة المحرقة، مع الأخشاب المنحوتة التي تغطي الجدران، تقدم كايجو طبقاً من كعك البطاطس المحلى، غير آبهة بعمرها المتقدم، «عندما يبلغ المرء في أوكيناوا، 97 عاماً يقيم حفلاً، فأنا احتفلت بعيد ميلادي المئة مع أسرتي منذ أيام»، تقول المعمرة كايجو.
تقع الجزيرة الرئيسية لأوكيناوا على بعد 1000 ميل في اتجاه الجنوب الغربي من طوكيو ؛ أما مجموعة جزر يائياما التي تنتمي إليها جزيرة تكتومي، فتبعد 240 ميلاً في اتجاه تايوان، فتكتومي يعتبر ركناً واحداً لهذا الأرخبيل شبه الاستوائي، حيث يعكف الأطباء والباحثون حالياً على دراسة ملفاتهم الصحية بعناية، إنه لمن الواضح على حسب حديثنا مع كايجو أن السر الكبير الذي يكمن وراء التعمير، ليس سراً واحداً يأخذ به الجميع، حيث تقول: «أنا آكل أي شيء، وعندما أكون بصحبة أصدقائي، فأنا أمارس «الكاريوكي» أي الغناء برغم أن صوتي ليس كما كان في السابق». فالقفز على متن حافلة سياحية تطوف بالسياح حول أوكيناوا، فرصة جيدة لمعرفة بعض الأسرار الدقيقة والصغيرة عن أسلوب الحياة الصحية الطويلة.
حياة مشرقة وحقول مخضرة
إن الحصول على فيتامين (د) مشكلة نادرة الحدوث في جزيرة أوكيناوا، لأنها تبعد درجة واحدة عن شمال الاستوائيات، فقد خص الله جزر يائياما بالشمس المشرقة، أما جزيرة اشيغاكي، أكبر الجزر المجاورة لتكتومي، فهي مغطاة بحقول قصب السكر المترامية على مد البصر حتى تصل إلى التلال التي تحيطها الغابات، مع شواطئها المحاطة بالمرجان، فترسل الشمس بريقها الساطع التي تنطلق كشعاع أجهزة الطباعة الحديثة، إلى هذه الحقول لتهديها ألقاً وضياءً، كما أن هناك أشجار الموز والمانجو الساحرة التي يقطف ثمارها سكان اشيغاكي البالغ عددهم 49 ألفاً، حيث يستلذون بتناولها بكميات معتدلة.
يحد الطقس في الجزر اليابانية الرئيسية من الخروج إلى الشواطئ في شهري يوليو وأغسطس، ولكن في جزيرة أوكيناوا يمتد هذا من شهر أبريل إلى أكتوبر، وربما أطول، في حين أن رصيفاتها في النواحي الشمالية تعج بأزهار الكرز، أو التفتق المبكر لأوراق الخريف، فهنا لدى مرتادي الشواطئ فسحة من الزمن للعب واللهو في الصيف.
حياة مفعمة بالنشاط
تستيقظ السيدة تويو كايجو في الصباح الباكر عند الساعة الخامسة، برغم بلوغها 104 أعوام، فكايجو لا تمانع بالتمدد طوال الأسبوع ما عدا يومين حيث تنهض باكراً لتلحق بالحافلة التي تطوف جزيرة تكتومي الصغيرة، وعلى متنها كبار السن أمثالها من الذين يعيشون في الجزر، فاليابان لديها أعلى نسبة للمعمرين في العالم، ولكن الأوكيناويين الذين يعيشون في الجزر الجنوبية يعمرون أكثر من المعايير اليابانية الموضوعة ذاتها.
عندما يحين وقت السعد في الصيف، يتم تعليق سافيكا واري، نسخة من شخصية «بيناتا» وهو عبارة عن حيوان مزين الذي يحتوي على الألعاب والحلوى، ليتم فتحه كسراً من قبل الأطفال وهم معصوبو العين كجزء من الاحتفال.
اهتمام بالغذاء والصحة
في منطقة تشتهر بعدد معمريها، يولي سكانها الغذاء اهتماماً كبيراً، ففي أوكيناوا كما في أي مكان آخر، ليست كل الأطعمة صحية، فمن بين الأطعمة الصحية، طعام يسمى «رافيوت»، ولكنه لا يصلح للسياح الذين لا يأكلون لحوم الخلوف، فهذا النوع من الأطعمة كانت عزيزة في الماضي، عندما كانوا فقراء.
للتقاليد أهمية كبيرة في مطعم فناكورا نو ساتو، حيث يوجد داخل مجموعة من المباني العتيقة المطلة على الشاطئ في مدينة اشيغاكي، يقوم بإدارتها، دن ماتورما، الذي قال معلقاً على الطعام: «يتميز الطعام هنا بطابعه الآسيوي، لأن جزر يائياما قريبة من الفلبين وحتى فييتنام منه إلى طوكيو»، فمثلاً، صحن الجانبورو نوع من الطعام المقلي، أخذ اسمه من طعام مشابه في إندونيسيا يسمى كامبر.
ويضيف ماتورما قائلاً: «نحن نتناول ال «توفو» كثيراً، والكثير أيضاً من أعشاب البحر مقارنة ببقية الجزر اليابانية فهنا لدينا أطعمة متنوعة، وأعتقد أن طعام المازوكي يساعد في بقائنا أصحاء لفترة طويلة من الزمن، ينتشر هذا النوع من أعشاب البحر قبالة الشواطئ في الجزر بشكل كبير، حيث يتم حصادها من قبل الغطاسين باستخدام خراطيم شفط كبيرة.