إعداد: قرشي عبدون
ستراسبورج مدينة فرنسية لديها حدود مشتركة مع ألمانيا، ومع ذلك تبقى جزءاً من البلدين في أوقات مختلفة، لديها جاذبية أكثر من كونها رمزية لقلب أوروبا الحديثة. ساهمت ألمانيا في تشكيل ثقافتها وثقافة كامل منطقة الألزاس الواقعة شمال شرق فرنسا بنفس القدر الذي شكلتها فرنسا، وكانت النتيجة مزيجا مذهلا من الثقافات والتأثيرات على كل شئ، ابتداء من فن العمارة والمشهد الثقافي وصولا إلى اللغة وفن الطهي.
وعلى الرغم من حالات الاحتراب القديمة، ازدهرت منطقة الألزاس، بفضل الروابط التعاونية القوية بين البلدين، من أبرز معالمها حديقة دوكس ريفز الواقعة شرق المدينة على مساحة تقدر ب 148 فداناً، حيث تتداخل مع الحدود ونهر الراين، يربط بينهما جسر «الصداقة».
تمزج ستراسبورج بين جمال القرون الوسطى الساحرة واللمسات العصرية المثيرة، توجد وسطها جزيرة جراند إيل، المدرجة على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، وهي بلدة محصنة تعود إلى القرون الوسطى وتعج بالآثار القديمة، فالمنطقة الواقعة بين ساحة كليبر الرئيسية وميدان غوتنبرغ، تظل مفعمة بحركة السياح والزوار على مدار العام لاسيما خلال أشهر الصيف الدافئة لما يتجمع كل الناس في شرفات المقاهي حتى شهر أيلول/سبتمبر، أو يتجولون في أنحائها لشراء الهدايا التذكارية المعروضة في الأكشاك.
في قلب الجزيرة توجد كاتدرائية نوتردام القوطية المهيبة التي تطغى على كل شئ، أكثر ما يميزها هي واجهتها ذات اللون الوردي وبرجها الفريد، يوجد بالقرب منها حي فرنسا الصغيرة، جوهرة التاج المبهرة، بجسورها الخلابة وقنواتها المائية، ومنازلها المبنية نصفها من الخشب، وشوارعها الضيقة الفاتنة التي تختلف بشكل صارخ مع المباني العصرية الحديثة للمؤسسات الأوروبية في شمال شرق المدينة.
في الجانب الثقافي، لديها أوبر هاوس، والمسرح القومي، ودار كونسيرفيتوري أوف ميوزيك، التي تستضيف العديد من المهرجانات السينمائية والموسيقية، أما من الجانب الأكاديمي، فتحتضن أكبر الجامعات الفرنسية التي يدرس فيها أكثر من 42 ألف طالب، بينما في الجانب البيئي، فتستقبل عشاق ركوب الدراجات والمشي سيراً على الأقدام على حد سواء، فضلاً عن شبكة مواصلات عامة واسعة النطاق تمتد إلى الريف، وقطارات سريعة تربط المدينة بالمدن الأخرى في أنحاء أوروبا، مجددة دورها الحيوي كعاصمة أوروبا وحارسة حقوق الإنسان.
تاريخ المدينة
ستراسبورج أو بلدة «المفرق» تحتل موقعاً استراتيجيًا على الدوام في أوروبا، حيث كانت في الأصل معسكراً رومانياً يسمى ارجنتوراتوم، وكانت بمثابة حصن دفاعي، وقد تم بناء شوارع هذه المنطقة المحصنة الصغيرة في جزيرة مستنقعية على نهر الثالث الذي تحول لاحقا إلى مدينة ستراسبورج الحالية. في 1262، أصبحت ستراسبورج مدينة حرة للإمبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، وخلف أسوارها المحصنة يقف مبنى بفالز الرمزي، أو مبنى البلدية.
ضمت ستراسبورج إلى فرنسا في 1681، عندما انتبه لويس الخامس إلى موقعها الاستراتيجي، وشهد القرن الثامن عشر بداية إنشاء محكمة النبلاء وظهور البرجوازية الثرية التي قامت ببناء قصور عديدة كتلك الموجودة في شارع بروليه، وشارع دي لا نوي بلو.
وتركت الثورة الفرنسية في 1792 المدينة في حالة مزرية، حيث دمرت أو تضررت العديد من الأديرة والكنائس ومع ذلك، بعد عام 1830، استعادت المدينة مكانتها كمفترق طرق أوروبي رئيسي وبدأت تتطور وتزدهر. مع نمو القطاع الصناعي، ارتفع عدد سكانها إلى 3 أضعاف في القرن التاسع عشر، حيث أنشئ نظام الصرف الصحي، ورصفت الطرق وتم افتتاح محطة السكة الحديدية، وقناة نهر الراين المائية.
وفي 1871، بعد الحرب الروسية الفرنسية، ضمت ستراسبورج إلى الامبراطورية الألمانية التي أقيمت حديثا، حيث أعيد بناء المدينة على نطاق واسع. عادت ستراسبورج إلى حضن فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، والجدير بالملاحظة أن الحرب لم تدمر المدينة، وبين الحربين استمرت في الازدهار. ولكن بعد الغزو الألماني لبولندا في سبتمبر/أيلول عام 1939، تم إجلاء المدينة بأكملها، مع سقوط فرنسا في يونيو/ حزيران 1940، وضمت الألزاس إلى ألمانيا.
بعد تحريرها في 1944، عادت الألزاس إلى فرنسا، وأصبحت ستراسبورج رمزا للتصالح بين فرنسا وألمانيا، وأصبحت ستراسبورج مقراً للعديد من المؤسسات الأوروبية، بما في ذلك المجلس الأوروبي، ومجلس حقوق الإنسان الأوروبي والبرلمان الأوروبي.
أفضل وقت
نظراً لموقعها في هضبة الألزاس، تتمتع ستراسبورج بمناخ قاري، يتراوح ما بين البرودة العالية المصحوبة بتساقط الثلوج في فصل الشتاء إلى الدفء والحرارة العالية في فصل الصيف. يعتبر فصل الربيع والخريف من أفضل الأوقات لزيارتها، وشأنها شأن العديد من المدن، يستفيد السياح من أنشطة شهر أكتوبر/ تشرين الأول، والاستمتاع بركوب الدراجات والتنقل في أنحاء المدينة. تقترب درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى درجة التجمد ما يتسبب في صعوبة حركة المرور، ومع ذلك، فإن من أجمل الأوقات لزيارتها شهر ديسمبر/كانون الأول، والفترة التي تسبق احتفالات الكريسماس.
هل تعلم ؟
* أن المقطوعة الموسيقية الشهيرة «لا مارسيليا» تم تأليفها في ستراسبورج في عام 1792
* أن المركز التاريخي لستراسبورج أدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي في عام 1988
* أن كاتدرائية ستراسبورج احتفلت بذكرى ميلادها ال 1000 في 2015
أبرز معالم الجذب
قصر روهان
تم بناء هذا القصر الباروكي كمسكن لقساوسة المدينة الفرنسيين، حيث كان 4 منهم ينتمون إلى عائلة روهان، يضم القصر 3 متاحف مهمة ومعرضًا، تم تخصيص طابقه الأرضي لمتحف الآثار يضم مقتنيات من العصر الحجري القديم.
متحف الفنون المعاصرة
يطل هذا المتحف بواجهته الزجاجية على رصيف الميناء، حيث يعتبر المبنى من أحدث المباني، حيث يقف على النقيض الصارخ من حي بيتايت فرانس. يضم المتحف أعمالا فنية مثيرة تعود من ستينات القرن الثامن عشر إلى خمسينات القرن التاسع عشر، من بين فنانيه، مونيه، وسيناك وآرب، بيكاسو، ماغريت وكليمت.
كاتدرائية نوتردام
كانت أطول مبنى في العالم من 1647 إلى 1874، ولا تزال سادس أطول كنيسة حتى يومنا، تقف هذه التحفة المعمارية القوطية الغارقة في الزينة بلونها الوردي شامخة، حيث يمكن مشاهدة برجها الذي يصل ارتفاعه 142 مترا ) من كل أنحاء الهضبة.
متحف نوتردام
يمثل تمثالا الكنيسة الأصليين رمزاً للكنيسة المنتصرة، والمعبد المهزوم الذي يمثل اليهودية، الكنوز الرئيسية لهذا المتحف، وتشمل المعالم الأخرى، رأس يسوع، وجزء من النافذة الزجاجية الملونة الذي يعود إلى القرن الحادي عشر، وتمثال نيكولاس جيرهارت ومنحوتات أخرى للفنان الشهير سيباستيان ستوسكوبف، هذه المجموعة من المنحوتات الفنية الرومانسية والقوطية والنهضوية الغنية، والأثاث والمفروشات تحتل 3 طوابق لمبان تعود إلى القرن الرابع عشر والسادس عشر.
متحف علوم الحيوان
يوجد بالقرب من السكن الجامعي، ويعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، يضم مجموعة فنية مثيرة لمعرض جين هيرمنز للتاريخ الطبيعي، وهو أحد أغنى المعارض الفرنسية، تشمل قطعا أثرية من القطب الشمالي إلى أنتاركتيكا، يعرض المتحف عشرات الآلاف من الطيور والحشرات والثدييات.