تقع المملكة المغربية في أقصى غربي شمال إفريقيا عاصمتها الرباط وأكبر مدنها الدار البيضاء ويطلق عليها اسم العاصمة الاقتصادية، ومن أهم المدن فاس، مراكش، مكناس، الرباط، طنجة، أغادير، تطوان والدار البيضاء. وتطل على البحر المتوسط شمالاً والمحيط الأطلسي غرباً يتوسطهما مضيق جبل طارق، تحدها شرقاً الجزائر وجنوباً موريتانيا، وكذلك أثر المغرب تأثيراً كبيراً في منطقة المغرب الكبير والأندلس، إذ امتدت حدوده قديماً إلى شبه جزيرة إيبيريا إلى الشمال، ونهر السنغال جنوباً.
تكتسي المملكة المغربية بمناظرها الخلابة لجبال الأطلس التي ترد الروح إلى أسواق مراكش الزاهية والمزدانة، حلة من الأضواء الجميلة، فليس هناك مكان آخر يمكنك تعلم فن التصوير مثلما في المغرب. يقول صاحب العدسات الأجنبية: كان صوت المؤذن العالي الذي ينادي إلى الصلاة هو ما يوقظني من النوم، ومع فلق الصباح عندما تنتشر شعاع الشمس فوق جدران المدينة ذات الألوان الوردية الداكنة، كانت مجموعتنا الصغيرة تلتئم لتناول وجبة الإفطار فوق شرفة مبنية فوق سطح منزل صديقنا رياض إد وارد، أما كريس كو المصور فكان معلمنا خلال الستة أيام التالية، حيث أغدق علينا من خبراته وأعطانا نصائح ثمينة حول فنون التصوير، مثل ضبط كمية الضوء الداخلة إلى الكاميرا وسرعة مصراع الكاميرا، والايسو (حساسات مستشعر الصورة) التي توزن الضوء، إضافة إلى المران على التركيز.
مهارات التصوير
كان كريس يذكرني بأن الحرف (ب) يشير إلى بلونكر (أي الغبي)، فيما نحاول نحن ضبط كاميراتنا مترددين إلى وضعية (AV) التي تضبط سرعة مصراع الكاميرا تلقائياً، وداعاً للتصويب والتصوير، ومن الآن فصاعداً سوف نقوم بالتحكم على كاميراتنا وعلى العملية الإبداعية لوحدنا، خبرتي في التصوير محدودة كغيرى من بعض أعضاء المجموعة، ومهاراتي أساسية ومعرفتي بالجانب التقني بدائية، فكثيراً ما أستطيع تخيل المنظر الذي أود القيام بتصويره، ولكن هيهات لو استطعت تحقيق ما تخيلته مستخدماً الكاميرا ماعدا صورة أجواء السماء الزرقاء، ولكن ككاتب فإن تركيزي حتى الآن لا يخرج من صياغة الكلمات والتلاعب بها منه إلى الرسم بالضوء، ولكنني أحب أن أجيد الاثنين معاً، وهذه فرصة مثالية لذلك، فمع وجود كريس قربي على مدار الساعة مجيباً على أسئلتي واستفساراتي، يستطيع أن يوجهني التوجيه الصحيح.
إن دورات التصوير ليست للمبتدئين فحسب، بل لكل شخص يود أن يطور مهاراته، بقضاء الوقت مع من لديهم نفس الحماسة و الرغبة في التصوير في الأوقات الصعبة واللحظات المذهلة والأوضاع الاستثنائية، كان في معيتنا أيضاً محترف تصوير آخر وهو نك مايلدر، هولندي، فالكاميرات في أيدينا ومع دورات الصباح المنعشة، اكتسبت الثقة بنفسي أكثر من أي وقت مضى حول قدراتي لأكون مصوراً بارعاً، تركنا خلفنا ضجيج مراكش وتوجهنا إلى جبال الأطلس، حيث بقعة من ثلج الشتاء التي ما زالت تمسح قممها الشاهقة، مع الأزهار البرية المتفتقة إيذاناً بحلول الربيع، ساقتنا الرحلة إلى ما وراء قري البربر المتناثرة، ومحال الذوادة ومن ثم من خلال المناظر الطبيعية الخلابة التي ترسم خطوطاً وعرة بين تربة طينية لتلال ذات ألوان داكنة وسهول خضراء يانعة لوادي يشقها مياه نهر نظيفة ومندفعة على عجل، هنا وادي أوريكا، إنه يوم سوق، عندما وصلنا كانت السوق مزدحمة وتعمل بكامل طاقتها، واجهتنا صعوبات عديدة عندما حاولنا العثور على موضوع وزاوية تصوير وسط الفوضى القائمة و كذلك التعامل مع النقائض بين الأضواء الشديدة والظلال ومحاولات الاقتراب من الناس الذين لا يرغبون في أن يصوروا كانت من بين الصعوبات، فقد اتضح لي بأنني بحاجة إلى التريث، استساغة لما هو أمامي وتخيل فكرة الصورة وموضوعها لكي أحصل على مرادي، الأهالي يأتون إلى هنا للبيع وللتبضع وليسوا ليتم تصويرهم، ومن أجل أن ألتقط لهم صوراً لجأت إلى مناورتهم وإشراكهم في الحوار، بحيث لا أدعهم يشعرون برغبتي، لقد نجحت هذه الاستراتيجية: إذ بدأ الباعة ينسحبون نحوي رويداً رويداً على نحو لطيف، ثم جزار يرميني بابتسامه بلهاء ومزارع يسمح لي بتصويره وهو ينحني ليتكئ على سيارة البيجو خاصته على نحو رشيق.
دورات الصباح
في دورات الصباح التي تبعث على الاسترخاء، كان كريس يقوم بتدريبنا على بعض أساسيات السيطرة على موضوع الصورة من خلال ضبط المصراع، فقد كنا نتدرب من خلال تصوير بعض الأواني الخشبية على درجات «الأيسو» الكبيرة وبأقل فتحة مصراع جاعلين من كل مكونات الصورة واضحاً على نحو محدد، وكذلك من خلال درجات «الايسو» الصغيرة وبأكبر فتحة مصراع لتحديد الجزء الأمامي الصورة على نحو واضح وبخلفية باهتة، كذلك قام كريس بتدريبنا على كيفية إضافة توازن اللون الأبيض الذي يضفي الدفء والهدوء إلى الصورة مما يجعلها تبدو طبيعية أو مؤثرة، فلو التقطت الكاميرا الدرجات الحمراء في صورة على سبيل المثال، فمن الممكن تعويض ذلك من خلال إضافة الدرجات اللونية الهادئة مثل الألوان الزرقاء من خلال ضبط توازن اللون الأبيض على خاصية «تنغستن» أو «فلورسنت لايت».
وعلى العكس، فإن الكثير من الدفء (الدرجات الحمراء) يمكن إضافتها إلى الصورة من خلال إعطاء التعليمات إلى الكاميرا بأن المشهد هادئ، إضافة إلى ضبط توازن اللون الأبيض إلى كلاودي أي «سحابي» أو «شيد» تظليل، وكذلك شرح لنا كريس عن تأليف الصورة، مثل كيف يمكن لجسم ملئ إطار الصورة كي يضفي على الصورة المزيد من التأثير البصري، أضف إلى ذلك قاعدة الإثلاث، وما يعرف بتقسيم الصورة إلى الثلثين أفقياً ورأسياً ووضع الأجسام المهمة بالقرب من هذه الخطوط أو تقاطعاتها لخلق التأثير المطلوب، حيث تنجذب عيون الإنسان بطريقة تلقائية تجاه هذه الخطوط، فلو كان الفن عملية شمول، فإن فن التصوير عملية استثناء، حسب كريس.
لا تتعجل في التصوير
أنا أتذكر كلمات كريس، عندما كان يفترق المجموعة وكل يذهب على حدة باحثاً عن العناصر الأربعة الرئيسية التي تكون الصورة وهي الخط والشكل واللون والنمط، ولكي أتجنب إغراء التصوير كنت أسير في بعض الأحيان بدون كاميرتي أولاً، فهذه عبارة عن تمرين بسيط لخداع النفس أو الالتفاف عليها، لأن هذه العناصر تجدها في كل مكان تنظر إليه أو أي مشهد تقع عينك عليه، ولكن نادراً ما تجدها معزولة، لذا كنت أحاول أن أعزلها بقدر الإمكان، مثل أوراق الكرنب الأخضر الموجودة في حديقة الخضراوات، والخطوط المجردة في جدران الطين والظلال السميكة لأرجل الكرسي، والأنماط المكونة عن طريق ضوء الأشعة المنتشر، والكاميرا في يدي ومع ثقتي الكبيرة بالنفس، شعرت وكأنني أر العالم من خلال عيون جديدة: معتنياً بالتفاصيل الدقيقة التي لم أرها من قبل - إنه وحي.
عندما يبدأ الضوء في الخفوت، أخرج من القصبة أو القلعة للتنزه بصحبة نك، المصور المحترف الآخر في مجموعتنا، الذي أعطاني بعض النصائح الثمينة حول كيفية تصوير الناس ومغالبة الضوء لخلق الوضع المطلوب، وكذلك تجولنا حول النهر، مع التوقف لتجاذب أطراف الحديث مع الرعاة، والأطفال ذوي الابتسامات الودودة والزراع ذوي الوجوه المتجعدة الذين طالت بهم الحياة وأخذوا نصيبهم من الدنيا. أما حول ضفتي النهر، فقد تسكعنا لللاستمتاع بمناظر التلال التي تملأها منارات المساجد التي تتظلل تدريجياً مما يخلق ألوان مائية عندما يبدأ الشمس في الغروب.
اليوم الأخير
في اليوم الأخير في رحلتنا إلى جبال الأطلس ذهبنا إلى ستي فاطمة شلال متدرج بالقرب من مشارف الوادي، حيث تسلقنا بجهد إلى أعلى الجبال الصخرية لنصل إلى المكان الذي يتفجر منه الشلالات، حيث كل محاولاتي السابقة في تصوير الشلالات تم شرحها، فقد كنت أستخدم سرعة مصراع الكاميرا الخاطئة، ضرب لنا كريس مثلاً بضبط صورة التلفزيون ليعطينا تقريباًَ للمسألة، فعند تصوير مياه الشلالات المندفعة بقوة تقوم باستخدام أعلى سرعة لتجميد حركة المياه وأقل سرعة لخلق صورة باهتة للمياه، فهنا قاعدة استخدام الإبهام له دور كبير، وفي طريق عودتنا إلى باب أوريكا عند الظهيرة، طبقت القواعد التي تعلمتها لالتقط صورة لرجل يلبس جلباب، يخطو بخطوات سريعة داخل منزل بربر تقليدي.