زيارة واحدة إلى هذا المكان ستكفيك عن غيره، إلى مدينة الإنكا المفقودة «ماتشو بيتشو»، فبالنسبة للكثير من السياح المسافرين إلى بيرو، في قارة أمريكا الجنوبية، فإنها المكان المفضل. ويعد موقع ماتشو بيتشو الأثري الأكثر شهرة وإثارة في القارة الأمريكية الجنوبية؛ بالنظر إلى موقع القلعة المثير للدهشة، والذي يلفت انتباه الجميع بمجرد زيارته. وقد تصدرت أنقاض قلعة ماتشو بيتشو التي أنشأها الإنكا في القرن الخامس عشر، قائمة موقع «ترب آدفازر» السياحي المتخصص لأكثر المواقع السياحية أهمية في العالم لسنوات طويلة، وفقاً لتفضيلات المسافرين في النتائج، التي ينشرها الموقع عاماً بعد عام.
تعد أنقاض القلعة من الأطلال الأثرية، بين المعالم الأكثر شهرة من نوعها في العالم، وفقط عندما تقف بنفسك لتطل على المنظر البديع، الذي كان موضوعاً لملايين الصور؛ عندها ستدرك ليس فقط مدى الروعة والجمال المهملين، ولكن أيضاً مدى هشاشة معرفتنا بمدينة الإنكا المفقودة ومحيطها، وكيف أنها لم تلق اهتماماً إعلامياً كبيراً كما هي الحال مع العديد من العالم السياحية العالمية الأخرى.
ويتميز موقع ماتشو بيتشو الذي نُصِّب فيه اليخاندرو توليدو، كأول رئيس لجمهورية بيرو، والذي ينحدر من السكان الأصليين الإنديز في البلاد في العام 2001، بلمحة من العظمة والغموض التي لا يمكن للزائر أن يتجاهلها؛ وذلك رغم اكتظاظه بالسياح خلال الفترة من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول من كل عام.
غموض المكان
وقد حافظ موقع ماتشو بيتشو، على غموضه لفترة طويلة بالنسبة للعالم، فيما عدا للقليلين من هنود الكوتشواس؛ وهم مجموعة من سكان البلاد الأصليين، وظل الحال كما هو عليه حتى اكتشفه المؤرخ الأمريكي بينجهام في عام 1911، ليعيد إظهار تلك الحضارة المفقودة للعالم. وعندما عاد بينجهام مجدداً إلى المكان بين عامي 1912 و1915، اكتشف أيضاً بعض أنقاض ما يسمى
ب«ممر الإنكا»، أو «الإنكا تريل»، وهو الممر الذي يرى بعض الخبراء أن شعوب الإنكا كانت تسلكه في قديم الزمان، ليعبروا من موطنهم الأصلي في أمريكا الشمالية إلى الجزء الجنوبي من القارة، بحسب بعض الفرضيات التاريخية.
ورغم ذلك ما زال العالم لا يعرف إلا القليل جداً عن أسرار موقع ماتشو بيتشو، وقد تم اكتشاف أكثر من 50 من المدافن، وأكثر من مئات الهياكل العظمية خلال الحفريات التي أجراها باحثون في المكان، ويعتقد مؤرخون أن السكان القدامى من شعوب الإنكا قاموا بإنشاء موقع ماتشو بيتشو كمحاولة منهم للمحافظة على تراثهم الذي كان مهدداً بالاضمحلال؛ عقب الغزو الإسباني لبلادهم، فيما يعتقد خبراء تاريخيون أنها كانت قد أصبحت بالفعل مدينة منسية وقت الغزو الإسباني، بينما تشير نظرية أخرى إلى أن ماتشو بيشو كان موقعاً ملكياً من مواقع الدفاعات الأخيرة، وتم التخلي عنه في أيام الغزو الإسباني للقارة خلال القرن الخامس عشر.
حجارة عالية الجودة
وأعلنت اليونيسكو في العام 1981 عن تضمين ماتشو بيتشو ضمن قائمة حماية التراث، وصنفت الموقع كواحد من مواقع التراث العالمي لليونيسكو في عام 1983. ويتضح من نوعية الحجارة عالية الجودة والزخارف المتنوعة التي يتميز بها الموقع، أن قلعة ماتشو بيتشو كانت في سالف العصر مركزاً رئيسياً للاحتفالات الخاصة بقبائل الإنكا.
يتخذ موقع ماتشو بيتشو من قمة جبلية مرتفعة بإقليم كوسكو في المنطقة الجنوبية من دولة بيرو موقعاً له، على حافة جبال الإنديز الشرقية، ويمكن الوصول للموقع من خلال القطار من قرية أجواس كالينتيس الصغيرة التي تقع في الجزء السفلي من الوادي، على مقربة من موقع أنقاض القلعة الأثرية، وبعدها السير على الأقدام لمسافة طويلة نسبياً، مروراً بالسوق التراثية التي تتنوع فيها الهدايا التي يمكن شراؤها، ويجد فيها الزائر كل ما يحتاج إليه من متطلبات الرحلة.
مرافق الترفيه
توفر المنطقة المحيطة بموقع ماتشو بيتشو العديد من الخيارات بالنسبة للزوار، وتوجد هنالك رحلات منتظمة بالحافلات من المدن والقرى القريبة إلى الموقع يومياً، وتتميز الفنادق التي تضمها المنطقة المتاخمة للموقع الأثري بمعقولية أسعارها، مقارنة بالمواقع التراثية التاريخية الأخرى حول العالم، والمثير في الأمر أنه تتوفر الغرف المفردة والمزدوجة، فضلاً عن الأجنحة الفاخرة وحتى مجمعات الشقق المفروشة، وفي كل الأحوال فإن الزوار سيحتاجون إلى قضاء ليلة واحدة على الأقل في قرية أجواس كالينتيس القريبة من الموقع؛ نظراً لأن الحافلات المتوجهة إلى ماتشو بيتشو تكون مرتبطة في الغالب بمواعيد زمنية محددة.
وتوفر الينابيع الساخنة المنتشرة حول موقع ماتشو بيتشو جواً من الرفاهية للسياح القادمين إلى المكان، كنوع من الاسترخاء بعد التعب الذي يصيب غالبية الزوار؛ نتيجة لقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام بعد جولات التسلّق، وتتميز تلك الحمامات بدورها في علاج الكثير من الأمراض العضلية والمفاصل مثل الروماتيزم، علاوة على أن الموقع يضم العديد من الأنشطة الترفيهية، وتتوفر أيضاً خدمات الاتصالات والإنترنت.
كما تتوفر في القرية والموقع أيضاً العديد من مطاعم الفاخرة التي تقدم مختلف أنواع الطعام التي ترضي جميع الأذواق؛ ولكن وبسبب الشهرة الكبيرة التي بدأ المكان في اكتسابها، فإن الأسعار تعد مرتفعة نسبياً، مقارنة بما هي عليه الحال في دول أمريكا اللاتينية بشكل عام، خاصة الأماكن السياحية التي تضمها.
أنشطة متنوعة
بدأ الموقع في الآونة الأخيرة في جذب الكثير من الأنشطة والفعاليات؛ وذلك بعد الشهرة الكبيرة التي بدأ في اكتسابها في أوساط السياح من جميع أنحاء العالم، ويمكن للزوار تسلق الجبال المحيطة بالموقع، باستخدام أدوات التسلق المخصصة التي توفرها مجموعات متواجدة بالموقع، خاصة جبل «وينا بيشو» المتاخم للموقع، ولكن وعورة المنطقة الجبلية تدفع الزوار للبحث عن أنشطة أخرى تتنوع بين الاستماع إلى الموسيقى المحلية، والتي تؤديها فرق محترفة، أو استئجار المناظير التي توفر مناظر خلابة من أعلى الجبال المحيطة بالموقع الأثري، أو باصطحاب أحد المرشدين السياحيين للذهاب في جولة حول الممر التاريخي الذي كانت تسلكه قبائل الإنكا للعبور من منطقتهم.
ويعد «الكوخ» أحد أهم الأماكن التي يتوجب على السياح زيارتها في الموقع؛ إذ يوفر من موقعه المرتفع والمتاخم لماتشو بيتشو، رؤية بانورامية متكاملة للمكان، وهو المبنى الوحيد الموجود في المكان، ويمثل ملاذاً آمناً عند هطول الأمطار، وتتوفر فيه الأطعمة والمشروبات التي تتنوع بين المحلية والعالمية، إلا أن الوصول إلى الكوخ يعد صعباً نوعاً، وهنالك خطط تجري حالياً لإنشاء قطار معلق «تلفريك» يربطه بالموقع الأثري.
ويضم الموقع أيضاً متحف «مانويل شافيز»، وهو يقع في الطريق إلى ماتشو بيتشو، ولكن الحافلات التي تُسير رحلاتها بين قرية أجواس كالنتس لا تتوقف عنده إلا بطلب من الركاب، ويبعد عند طريق الحافلات نحو كليومترين سيراً على الأقدام، ويضم عدداً من التحف الفنية النادرة.