«تالين»، عاصمة جمهورية إستونيا، تقع على الشواطئ الجنوبية لخليج فنلندا، تتباهى ببلدتها القديمة المذهلة التي تشبه صندوق الشوكولا، وتضم المدينة أيضاً العديد من الكنائس والمباني، والشوارع الأنيقة المرصوفة بالحصى، تربطها مبان معمارية ذات قباب لافتة للنظر يعود تاريخها إلى العصور الوسطى. وبالفعل بدأت البلدة القديمة لتكون قوة اقتصادية بشكل سريع، كما أن ساحاتها وأماكنها ليست كلها متداعية، حيث تعج الآن بالعديد من الفنادق الجديدة المتوهجة، والأبراج المنتصبة ذات التصاميم البارعة وسط المدينة، وكذلك تزخر بتاريخ حافل، وحكايات وقصص بطولية، حيث كانت تعرف ب«ريفال» منذ بداية أواخر القرن الثالث عشر، إلى حين اصبحت تابعة إلى الاتحاد السوفييتي في 1917 مع بقية مناطق إستونيا.
تضم تالين عدداً من المتاحف منتشرة في أنحائها، بما في ذلك متحف يحكي فظائع النازيين والاحتلال السوفييتي، أما القصور الضخمة التي تم بناؤها من قبل القياصرة فتهيمن على حدائقها البديعة والمفعمة بالحياة، كما أن المباني السكنية التي يعود إلى عهد ستالين لا تزال مقراً لآلاف السكان المحليين في الضواحي.
وبسبب تاريخها هذا، تتطلع تالين دوماً إلى المستقبل، وقد ازداد تطلعها نيلها الاستقلال في 1991، وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في 2004، وقد أصبح مشهدها الثقافي مذهلاً، بجانب مجموعة من المطاعم التي تقدم المأكولات الفاخرة التي ليس لها مثيل في العالم، فالمدينة تنعم بخير وفير أكثر من أي وقت مضى. وخلافاً لمبانيها المتألقة التي شيدت في وقت قريب، وحفلاتها الليلية الساهرة، تظل بعض تقاليدها مصدر فخر، فعلى سبيل المثال، تتباهى المدينة بتقديمها للعالم خبز الزنجبيل الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر.
أما أسواقها فمملوءة بالمشغولات اليدوية العجيبة والتحف الغريبة التي تجعل التسوق متعة لا تضاهى، فضلاً عن شواطئها المتميزة خلال موسم الصيف، فسواء أكان السائح يبحث عن الحفلات الموسيقية، أم المراكز الثقافية العتيقة فإن تالين بلا أدنى شك تزخر بالعديد منها.
تاريخ تالينبرغم أن هناك دليلاً على استيطان الناس حولها لأول مرة قبل نحو 500 عام، إلا أنها لم تكن جديرة بالملاحظة إلى حين بناء الحصن الخشبي فوق تلة تومبيا في 1050. لقد كان السبب في بناء الحصن هو من أجل استقبال ملك الدنمرك، «فالديمار الثاني» الذي قاد القوات الصليبية الشمالية إلى تالين في 1219، وعلى الرغم من مجاهدات السكان المحليين منيت المدينة بالهزيمة واستولت عليها الدنمارك.
ومع ذلك، لم يدم بقاء الدنمارك طويلاً، فبحلول 1285 أصبحت المدينة أقصى نقطة في الشمال بالرابطة الهانزية، وهي رابطة المدن الألمانية الشمالية التي تشكلت عام 1241، وكانت قد بيعت ل«فرسان تيوتونيك» وهو نظام عسكري وديني من الفرسان الألمان والكهنة من قبل الدنماركيين في 1346، إلا أن سيطرتهم ارتخت نحو 1561، حيث وضعت أستونيا نفسها تحت الحكم السويدي، أملاً في الحصول على الحماية من بولندا وروسيا.
لكن عندما اندلعت الحرب الشمالية الكبرى، سيطر عليها تساردوم روسيا، حيث فر معظم أهالي المدينة إلى فنلندا، ومن ثم حكمتها روسيا لقرون، لتتذوق طعم الاستقلال لأول مرة في 1920. ولم تمتد حريتها حتى عشرين عاماً، لأن أستونيا كانت تتبع الاتحاد السوفييتي بموجب معاهدة «بريست ليتوفسك»، التي سحقت من قبل أدولف هتلر وجوزيف ستالين، وفي وقت لاحق خلال أقل من سنة تم التوقيع عليها، ليتم احتلال تالين مرة أخرى من قبل النازيين.
ومن ثم في 1944، وصلت قوات الجيش الأحمر التابعة للاتحاد السوفييتي إلى المدينة، لتضع في تاريخ تالين مشهداً ثانياً لفترة من الاحتلال، لتصبح تالين عاصمة لأستونيا هذه المرة.
لم تر الفنون والثقافة النور في ظل الحكم الاشتراكي، وفي ذات الوقت كان أهالي أستونيا العاديون تتم مراقبتهم عن كثب في دول الاتحاد السوفييتي الأخرى، وعلى الرقم من ذلك كانت هناك لحظات تاريخية مشوقة مثل الألعاب الأولمبية التي أقيمت في المدينة عام 1980.
ولاحقاً، بعد 11 عاماً، شهدت المدينة نهضة حقيقية، عندما أعلنت أستونيا استقلالها، ما جعل تالين عاصمة بحق، فاليوم عادت تالين إلى دورها التجاري، وأصبحت أحد المراكز التجارية الأوروبية، فضلاً عن كونها وجهة سياحية شهيرة حتى النخاع.
أبرز مناطق الجذب
متحف ديكوك, يقع داخل مبنى فيه برج كان يستخدم للدفاع عن المدينة بسبب ارتفاعه، مملوء بالتحف العسكرية، ويضم معرض أعمال فنية إضافة إلى مقهى في الطابق العلوي، وتوجد أسفله شبكة من الأنفاق الدفاعية التي تمتد حتى تلة تومبيا، وشيد المتحف في سبعينات القرن الرابع عشر.
متحف الاحتلال, يضم تاريخ تالين موجات من عمليات الاحتلال، إلى جانب فقدان سيادتها مرات عدة، وتجاذبها بين ألمانيا وروسيا، ومع ذلك، لا القياصرة ولا القوات الصليبية استطاعوا أن يفتكوا بالسكان المحليين، على الرغم من احتلالها من قبل النازيين والسوفييت، حيث يستعيد هذا المتحف حكايات وذكريات تلك الأيام المظلمة من خلال عرض الأزياء العسكرية والصور ومقاطع فيديو تشرح فترات الاضطهاد.
ريكودا - مبنى البلدية تقود كل شوارع المدينة المرصوفة إلى ساحة مبنى البلدية «ريكودا» ذات الواجهة المهيبة، حيث تم تشييده في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وهو مبنى البلدية القوطي الوحيد الذي لا يزال باقياً في شمال أوروبا، ويمثل «دوارة الرياح» التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر. أما برج كنيسته الشاهقة فيضم نصباً تذكارياً لبطل العصور الوسطى أوولد توماس الذي كان يعمل حارساً للمدينة.
أنشطة متنوعة
على الرغم من تاريخها التجاري الطويل عبر البحر، إلا أن نظافة شواطئها تفاجئ الكثيرين، ولكن في نهاية المطاف فإن شواطئ تالين كغيرها من الشواطئ البلطيقية، تتميز بمساحات شاسعة من الرمال الذهبية الفسيحة.
يتيح نهر بيريتا للسياح فرصة الاستمتاع بالتجديف قبالة شواطئه الرملية، فهذا النهر الرائع يشق وسطها إلى نصفين، ويمر عبر مساحات خضراء جميلة تستكشف تجديفاً بالزوارق، أو عبر القوارب الخشبية التقليدية قبل أن يصب في البحر.
متحف مدينة تالين
يحتل مساحة داخل مبنى قديم في البلدة القديمة، حيث يأخذ السياح في جولة حول تاريخ المدينة الطويل والمذهل، ابتداء من الأيام الأولى للمدينة ليعرج سريعاً إلى حقبة ألمانيا، ثم الاتحاد السوفييتي، وعقود الاحتلال، إضافة إلى عشرات التحف والصورة المنظمة في شكل مجموعات شاملة.
أفضل وقت للزيارة
تعتبر زيارة تالين في أي وقت من السنة متعة لا تضاهيها متعة أخرى، حيث تشهد المدينة في فصل الربيع أجواء منعشة ومفعمة بالحيوية، فضلاً عن المقاهي المنتشرة في شوارعها العريضة، وطاولات مطاعمها المتناثرة بشوارعها المرصوفة، ومهرجاناتها التي تتفجر فيها الطاقات خلال فصل الصيف،وأما في فصل الشتاء فلا يكون هناك أي مجال للرومانسية بسبب التساقط الكثيف للثلوج
البلدة القديمة
تعتبر البلدة القديمة لتالين إحدى أكثر البلدات القديمة جاذبية في أوروبا، حيث يمكن فهم لماذا قد اطلق عليها اسم «براغ ألصغيرة»، ومن أمتع الأشياء قضاء ساعات متجولاً في شوارعها الجميلة المرصوفة بالحصى، ومتاحفها المفعمة، وساحاتها العديدة الهادئة، وقد أعيد ترميم بعض مبانيها التي تضررت بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، وتتيح البلدة القديمة في الوقت الراهن عدداً من أماكن الاسترخاء والترفيه.
هل تعلم ؟
هل تعلم أن شبكة المواصلات العامة في أستونيا تعتبر من اقدمها حيث يعود تاريخها إلى 1888؟
هل تعلم أن المخابرات السوفييتية كانت تستخدم برج كاتدرائية سينت «أولاف» كبرج للإرسال خلال فترة الاتحاد السوفييتي؟
هل تعلم أن تالين تدعي أنها أقامت أول شجرة «كريسماس» في عام 1441 ؟