بواجهاتها التاريخية وساحاتها المهيأة وشوارعها المتعرجة وينابيعها الدافئة، فإن «أيكس بروفانس» التي تقع في منطقة بروفانس آلب في كوت دازور جنوب فرنسا هي التي ألهمت عشاق الرسم والتلوين في البلاد، إنها ببساطة تفيض أنغاماً وسحراً - تعج بآلاف النوافير الرقراقة، ومشهد خلفي رائع لجبال يظن أهلها بأنها مباركة وريف خلاب يثير خفقان القلب، فضلاً عن تميزها بأفضل مدارس فن الطبخ.
إنها مدينة يمكن التنزه في أنحائها بيسر مشياً على الأقدام، وذلك بفضل حجمها الصغير المنظم، ينصح الزوار بالتوجه إلى كور ميرابو، الشارع الرئيسي الذي يعج بالعديد من المقاهي، والمطاعم والقصور الأنيقة المحاطة بصفوف أشجار الجميز الوارفة الظلال والتي يعود تاريخها إلى قرون خلت. كذلك اجلس في شرفاتها لبعض الوقت واستمتع بمراقبة العابرين إلى أماكن شرب الشاي.
أما النوافير الثلاث الشهيرة فتوجد بشارع كور ميرابو، وهناك أيضاً تمثال يعود إلى القرن التاسع عشر يمثل الملك رينيه وهو ممسك بعنب طيب الشذا الذي أدخله إلى الإقليم في القرن الخامس عشر، كما يوجد عدد كبير من الينابيع الساخنة المغطاة بالطحالب، يعود تاريخها إلى العهد الروماني، وتحت نافورة لا روتوند التاريخي، ثلاثة تماثيل ضخمة تمثل الفن والعدل والزراعة، ولكن أروعها نافورة ديس كواتر دوفينس أو نافورة الدلافين الأربعة في كارتييه مازارين.
كان الناس يتدفقون إلى «أيكس» منذ العصر الروماني للاستفادة من الخصائص العلاجية لينابيعها الحارة، ويضم زوارها القدامى ونستون تشرشل وبابلو بيكاسو. وباتت منطقة الجذب الرئيسية لعشاق المنتجع الصحي هي «ثيرمس سكستيس» في قلب المدينة القديمة، وهو عبارة عن مجمع حديث للاستحمام يقدم مختلف العلاجات.
أما بالنسبة للفنون، ترتبط أيكس ب «بول سيزان» رسام المدرسة ما بعد الانطباعية على نحو لا يمكن فصمه، الذي ولد ودرس هنا، خلاله حياته كلها كانت جبال سانت فيكتوار مصدر إلهامه، والتي تتمثل في العديد من أعماله وقد ألهمت غيره الكثير من عشاق الرسم والتلوين. اليوم يمكن للزوار تكريمه من خلاله زيارة مرسمه بالضاحية الشمالية للمدينة.
تعتبر أيكس أيضاً مركزاً للفنون، حيث تقام العديد من المهرجانات والفعاليات على مدار العام، وأشهر هذه المهرجانات هما مهرجان ميوزيك دانس لا رو، ومهرجان أيكس إن بروفانس.
إنها مدينة مدمجة ومنظمة ونظيفة وشمسها ساطعة على مدار العام، ومنصة مثالية للانطلاق في الرحلات الاستكشافية لأبرز معالم الإقليم.
تاريخ أيكس تمتد جذورها طويلاً
حتى العهد الروماني، تم تأسيسها في 122 قبل الميلاد من قبل القنصل الروماني سكستيس كالفينوس، وفي 102 قبل الميلاد كانت المدينة مسرحاً لمعركة أكوي سكستيه، لما قام الرومان بهزيمة الجرمانيين والألمان. وفي القرن الرابع الميلادي، أصبحت أيكس ناربون في المرتبة الثانية، ولكن الغزوات المتتالية والهجمات من قبل الغوطيين الغربيين، واللومبارديين دمرت المدينة.
لم تكن أيكس قد وصلت إلى عهدها الذهبي حتى بعد القرن الثاني عشر، ومع ذلك كانت في العام 1182 مقراً لحكام الإقليم، حيث ازدهرت المدينة حول ثلاثة مواقع رئيسية وقصر الحكام، كاتدرائية سان سفيور، وعدد من أحياء الحرفيين والتجار.
انطلاقاً من هذه الفترة، حافظت المدينة على سورها الخارجي، والذي يبدأ من بورغ سان سوفور القديمة، وقام لويس الثاني حاكم إقليم أنجو، في العام 1409 بتأسيس الجامعة، وفي ظل حكم ابنه رينيه (1409 -1480) أضحت أيكس مركزاً للفنون، وبعد عام من موت رينيه تم ضم الإقليم من قبل مملكة فرنسا، وإن كانت المدينة رافضة قبول السياسات الملكية المركزية لعقدين من الزمان.
في العام 1501 قام لويس الخامس بتأسيس البرلمان هنا، حيث بقي حتى 1789، ولم تصبح هذه المدينة المتمردة مدينة محاكم تقوم على القضاء المنظم والنفوذ الديني إلا في عهد لويس الخامس، فقد تغيرت وتوسعت وازدهرت من خلال عمليات التنمية الحضرية والاجتماعية.
منذ العام 1646 فصاعداً ترك الأرستقراطيون والمستشارون والقضاء والنبلاء والوجهاء منازلهم بالمدينة التي تعود إلى القرون الوسطى للاستقرار في حي المزارين.
وفي العام 1650 فتح البرلمان شارعاً للعربات التي تجرها الأحصنة، في مكان الأسوار المتهدمة، التي أصبحت «كور ميرابو» في القرن التاسع عشر، وقد كانت الوجهات ذات الزينة المسرفة وبوابات القصور مقياساً للنجاحات التي حققها أصحابها. ومنذ منتصف القرن العشرين حققت أيكس طفرة اقتصادية وسكانية غير مسبوقة، ساعدت في تجديد روح المركز التاريخي والمشهد الثقافي المزدهر.
هل تعلم؟
** أن الفنان بول سيزان الذي عاش في الفترة ما بين (1839-1906) ولد وتوفي في أيكس.
** أن مهرجان دي أيكس عقد لأول مرة في العام 1948.
** أن المكتبة الرئيسية للمدينة تقع داخل مصنع كبريت قديم.
أبرز مناطق الجذب
أسواق أيكس أن بروفانس
يمكن للسياح العثور كل يوم على سوق في وسط أيكس، وأكبر سوق للأطعمة يقام أيام الثلاثاء والخميس والسبت في بلا سدي بريتشرز، حيث يعرض التجار المحليون سلعهم في بليس ريتشلميه بالقرب من بلي سدي هوتي لدي فيلا، حيث تجد أكشاك الزهور أيام الثلاثاء والخميس والسبت، بالإضافة إلى الأشياء المتنوعة والحلي الصغيرة ذات القيمة البسيطة إلى بليس فردون.
مؤسسة فازاريلي
مبنى رائع يقع تماماً خارج أيكس في منطقة جاس دي بوفان، تم تأسيسها من قبل فيكتور فازاريلي في العام 1976 من أجل تشجيع دمج الفن في المعمار، حيث يغطي مراحل تطور العمل الفني للفنان الذي كان يستخدم الأبيض والأسود قبل أن يصبح ملوناً في الستينات.
متحف جرانيت
أحد أفضل المتاحف بالإقليم، حيث يضم أعمالاً فنية للرسامين الفرنسيين والهولنديين يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر والسابع عشر والفنلنديين والإيطاليين، كما يضم أيضاًً حوالي 300 عمل فني لفنانين أمثال، فان جوخ ومونت ورنيور وديجاس وبيكاسو.
بافيلون دي فاندوم
تحيط به حديقة فرنسية ذات تفاصيل كثيرة، حيث يمنح الزوار فرصة لرؤية قصر نموذجي لأيكس كما كان سيبدو في القرن الثامن عشر.
ورشة سيزان
العديد من الزوار إلى أيكس أن بروفانس سيكونون لديهم الرغبة في الاطلاع على الأعمال الفنية لسيزان، وسيكون لديهم أيضاً فرصة لاكتشاف عدد من المقتنيات المألوفة له، العديد منها متمثلة في أعماله، كذلك الورشة مزودة بغرفة صوتيات ومرئيات تتيح للزوار الأفلام التي لها علاقة بالفن.
أفضل وقت للزيارة
بفضل موقعها الجغرافي المتميز بجنوب فرنسا، تتمتع أيكس بمناخ معتدل مع متوسط 300 يوم مشمس في العام، وتصل درجات الحرارة خلال شهر يناير/ كانون الثاني حوالي 5 درجات مئوية، بينما في شهر يوليو/ حزيران تصل إلى 22 درجة مئوية، وفي حين محمية جزئياً من الرياح الشمالية (الميسترال)، إلا أن أيكس تعاني في بعض المرات من الأحوال الجوية القاسية البرودة، ويبلغ هطول الأمطار ذروتها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وفي أوج منتصف الصيف حاول أن تحجز غرفتك الفندقية مبكراً قدر الإمكان، لأن آلاف السياح يصلون إليها من شمال البلاد.