في الوقت الذي تمنحك النمسا فرصاً ترفيهية منعشة عبر واحاتها ومرافقها المائية، تضمن لك أيضاً تجارب فريدة قلما تجدها. لذا، تأكد أنه إذا سنحت لك الفرصة يوماً للسباحة في إحدى بحيرات النمسا العذبة، فإنك ستكون محظوظاً بما يكفي ليس فقط لتمارس السباحة، بل أيضاً لتشرب من مياهها الطبيعية النظيفة! أي التمتع الماء «النقي» بكل معنى الكلمة.
زاخرة بالمياه العذبة
من المعروف عن النمسا أنها تزخر بالكثير من مصادر المياه العذبة، حيث تضم في ربوعها ما يربو على خمسة آلاف بحيرة تعرف بأنها تحوي أعذب المياه الصالحة للشرب في العالم. وبالطبع، تساهم اللوائح البيئية الصارمة في الحفاظ على نقاء هذه البحيرات الطبيعية وضمان جودة مياه الشرب، وفي نهاية المطاف تكفل لك تجارب سياحية قل نظيرها. ففي فصل الصيف تجذب البحيرات عدداً لا يحصى من سكان النمسا وزوارها على السواء. كما تغص النمسا بالكثير من الأنهار الجليدية، وتضم أيضاً أكبر كهف ثلجي في العالم وأعلى شلالات في أوروبا. ويمكن للزوار رؤية الكثير من تلك العوالم المدهشة للبحيرات والمياه العذبة المذهلة والآسرة في مواقع عدة من البلاد، ويتم ذلك غالباً عبر الإبحار على متن أحد القوارب في رحلة لاستكشاف إحدى هذه البحيرات، أو من خلال التوجه إلى المناطق التي تغص بالشلالات، أو التمتع برؤية المياه المتجمدة في أحد الأنهار الجليدية المنتشرة في أنحاء البلاد.
بحيرة «فولفغانغ زي»
وتعتبر بحيرة «فولفغانغ زي»، التي تبلغُ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً وتحيط بها جبال «سالزكامرغوت» من كل جوانبها تقريباً، واحدة من البحيرات الجديرة بالزيارة بالفعل. فعلى جهتها الشمالية يقعُ جبل «شافبيرغ»، ويمكنك الصعود إلى قمته على ارتفاع 1782م بواسطة سكة حديدية مسننّة.
تبدو المنطقة الساحرة التي تحيط ببحيرة «فولفغانغ زي» قريبة جداً عند قيامك برحلة بالقارب عبر البحيرة، حيث ستمر خلال رحلتك بمواقع عدة مثيرة للاهتمام لعل أبرزها: قرية القديس «غيلغن» الريفية، المنزل الذي ولدت فيه والدة الموسيقي الشهير موزارت، وبلدة«سانت فولفغانغ»، وتلفريك جبل «شافبيرغ» والذي يصعد بك إلى الجبل الذي يوفرُ إطلالة ساحرة على بحيراتِ المناظر الطبيعية المحيطة بمنطقة «سالزكامرغوت».
خيارات عدة للتنقل
خيارات عدة للتنقل هنا، إذ يغص المكان بخمسة قوارب لتختار منها، أحدها قارب يتميز بطرازه القديم الذي يحمل في تفاصيله عبق الماضي الجميل.
كما تعتبر بحيرة «تسيل إم زي» واحدة من أكثر البحيرات سحراً في العالم، حيث تقع في ذلك الوادي الرائع الذي يفصل بين قمة أعلى جبل في النمسا «جروسجلوكنر» وجبل «كيتسشتاينهورن» المغطى بالثلج. لقد أصبح وادي «تسيل إم زي» القابع في جبال الألب، منتجعاً صحياً منذ العام 1961. وتعدُّ بحيرة «تسيل» خزاناً طبيعياً للمياه، إذ تتسع لما يربو على 175 مليون متر مكعب من الماء، وتزود المدينة بأنقى مياه الشرب. كما يشكل سطحُ البحيرة أيضاً مكاناً مثالياً لممارسة مختلف الرياضات المائية خلال فصل الصيف والرياضات الجليدية في الشتاء.
وتدعوك البحيرةُ التي تبلغ مساحتها 4.7 كيلو متر مربع للقيام بنزهة ممتعة على متن قارب مهيب، فهناك أربع عَبّاراتٍ بخاريةٍ مختلفةٍ وممتعةٍ تُبحرُ عبر بحيرة «تسيل»، إذ ستأخذك الرحلة على متنِ عَبّارة «إم إس شميتنهوه» على سبيل المثال إلى شواطئ «زونهوف»، و«تومرسباخ»، وكذلك تتوافرُ خدمة تقديم مختلف أنواع الطعام على متن العبّارة.
نهر الدانوب
أما نهر الدانوب فيُعدُّ الوجهة المثلى لأغراض السباحة ومختلف الرياضات المائية. ينقسم هذا النهر الرائع إلى ثلاثة أقسام: الدانوب الرئيسي والدانوب القديم والدانوب الجديد. فالدانوب الرئيسي، هو حيث تُبحر سفن الرحلات النهرية. أما الدانوب القديم، فهو محاط بالحدائق والمتنزهات والمطاعم ذات الشرفات المُطلة على المياه، والمتنزهات ذات ممرات المشاة والدراجات الهوائية. في حين ينفصل الدانوب الجديد عن الدانوب الرئيسي بواسطة جزيرة من صنع الإنسان يبلغ طولها 21 كيلومتراً، وتُعدُّ بحق جنةً استجماميةً حقيقية، إذ تزخر بالكثير من الشواطئ، فضلاً عما قدره 180 هكتاراً من المساحات الخضراء الساحرة والعديد، من المطاعم والمقاهي. تستضيف هذه الجزيرة كلَّ عامٍ أكبر حفلةٍ في الهواء الطلق في أوروبا، والتي تتمثل في مهرجان جزيرة الدانوب المجانيٌّ، الذي يحضره ثلاثة ملايين زائرٍ على مدى 3 أيام.
قرية «زولدن»
من جهة أخرى، تبرز قرية «زولدن»، التي يبلغ ارتفاعها 1377 متراً فوق مستوى سطح البحر، ليس فقط كموقع شهير عالمياً في مجال الرياضات الشتوية الدولية، بل تشكل القرية أيضاً خلال فصل الصيف مكاناً مثالياً لقضاء العطلات المثيرة. ويوجد نحو 300 كم من الطرق المزودة بلوحات إرشادية يُعول عليها السياح عادةً في رحلاتهم المختلفة لاستكشاف هذه القرية الآسرة. وهناك أيضاً أكثر من 16 مطعماً، وما يربو على 30 كوخاً جبلياً تقدم جميعها أفضل أنواع المأكولات النموذجية التي تُعرف بها تيرول، في حين تغص الجبال المحيطة بالقرية بأكبر منطقة أنهار جليدية ضمن جبال الألب الشرقية بأسرها. وتتمثل أعلى القمم هنا في: قمة «فيلد شبيتسه» (3772 متراً) وجبل «فايس كوغل» (3739 متراً)، والذي يُصنف في الوقت نفسه من بين أعلى قمم الجبال في النمسا.
عمالقة الجليد
كما تُعرف النمسا بأنه موطن لعالم عمالقة الجليد. فالجليد في هذا البلد الساحر لا يوجد فقط على القمم الجبلية، بل بإمكانك أن تجده حتى في جوف الجبال. يقع عالم عمالقة الجليد في بلدة «فيرفن» في إقليم سالزبورغ، على بعد 40 كم من عاصمته مدينة سالزبورغ، ويضم أضخم كهوفٍ جليديةٍ في العالم. إنّه متاهة من الكهوف بطولٍ كلي يبلغ أكثر من 40 كم، وظاهرة طبيعية أُبدعت بواسطة الجليد والصخور. ويقوم سنوياً نحو 200000 سائحٍ بزيارة الكهوف ويبدون إعجابهم بالمنحوتات الجليدية المُضاءة التي أُبدعت قبل الملايين من السنين، بواسطة مجاري المياه الجوفية والتي احتلها الجليد فيما بعد.
أجواء منعشة وساحرة
وإضافة إلى ما توفره النمسا من أجواء منعشة وساحرة عبر بحيراتها وجبالها وكهوفها الجليدية، إلا أنه بالإمكان عند زيارة مدينة سالزبورغ معايشة التاريخ ضمن لقاء منعش وأجواء جميلة. فمدينة سالزبورغ مشهورةٌ بالموسيقى والشوكولاتة وبمركز مدينتها التاريخي الذي تم إدراجه مع جميع المتنزهات والأماكن كموقع ثقافي للتراث العالمي من قبل منظمة اليونيسكو في عام 1997. فإذا كنت بحاجةٍ لاستراحةٍ «منعشةٍ» من تعب الجولة في المدينة، فإنَّ القيام بزيارة إلى قصر هيلبرون هو خيارك الأفضل. فالمياه كانت الموضوع الرئيسي في تصميم القصر. بُنِي هذا القصر ومتنزهه الواسع، الموجودان على بعد 10 دقائق فقط خارج مركز المدينة، قبل 400 سنة بأمر من رئيس الأساقفة ماركوس سيتيكوس والذي أثبت بأنّه رجلٌ محبٌّ جداً للمزاح. سوف يكتشف الزوار سريعاً بأن قصر هيلبرون هو عزبة وأرض للاستمتاع أكثر من كونه قصراً حقيقيّاً بما أنَّ ماركوس سيتيكوس قد بنى مرافق القصر الواسعة لتقوم برش الماء على ضيوفه الموقرين. كان الماء - وما زال كذلك - يُرش من كل ركن وزاوية بكل معنى الكلمة بضغطة زر. هنالك النوافير الخادعة وفتحات نفث المياه المُخبأة والمغارات والينابيع، وليس هناك طريقة للخروج من هذا القصر من دون التعرض للبلل ومن دون قضاء وقت ممتع، ولهذا فإن الوقت المثاليَّ لزيارة قصر هيلبرون هو في يوم صيفي حار، بما أنه بالتأكيد اللقاء الأكثر «إنعاشاً» مع التاريخ.
حديقة الحيوانات
وعلى مقربة من قصر هيلبرون، وتحديداً في حديقة الحيوانات في سالزبورغ، التي تمتد على مساحة 14 هكتاراً، يمكن للمرء استكشاف 1200 حيوان (تمثل 140 نوعاً) في حظائر شبه طبيعية واسعة في الهواء الطلق.
أما إذا كنت من أولئك الزوار الباحثين عن الاهتمام بصحتهم والتمتع في نفس الوقت بالمياه ضمن أجواء مفعمة بالهدوء والراحة وضمان أجواء المرح لأطفالك، فما عليك سوى التوجه إلى وادي جاشتاين، الذي يشتهر على مستوى العالم بمنتجعاته العلاجية الراقية. ولا تتوقف الإثارة عند هذا الحد، فمياهه غنية بعنصر الرادون الطبيعي، الذي له دور فاعل في تنشيط خلايا الجسم. ومن خصائص هذه المياه أيضاً أنها تريح الجسم وتهدئ الأعصاب. ويقدم منتجع «ألبين تيرمه» للراغبين بالمغامرة والاهتمام بصحتهم برنامجاً منوعاً ومتعدد الأهداف يناسب كافة الأعمار، ويتألف المنتجع من 6 أقسام تتربع على مساحة تبلغ نحو 14.000 متر مربع. ويشكل «غايزرس»، وهو مركز ألعاب مائية شبيه ب «وايلد وادي» في دبي، متعة هائلة للأطفال، حيث يتضمن منزلقاً يفوق طوله 70 متراً. ويتميز هذا المركز بخصوصيته اللافتة، إذ يضم بين طياته قسماً خاصاً بالنساء، يشتمل على غرف شمسية وأقسام خاصة بالتجميل والزينة.