تعتبر منغوليا من آخر المجتمعات الرعوية التي لاتزال باقية حتى اليوم، فنصف سكانها زهاد يحيون حياة القساوسة، كما أن أكثرهم يقيمون في مدينة أولان باتور الواقعة في الناحية الشمالية الشرقية للبلاد، وتدهور ارتباطهم بالمراعي، بينما أولان باتور المدينة الوحيدة في منغوليا التي تثريها الاستثمارات الأجنبية، مندفعة نحو القرن الواحد والعشرين.
تتميز منغوليا بأن فضاءها مجيد وفتان، وشاسع، لأنها واحدة من الدول الأقل كثافة سكانا على وجه الأرض، فمنغوليا هي أرض «ملوك لعبة الغولف»، ولديها ممرات خضراء لا نهائية غير مشجرة، منقوشة بظلال الغمام، وبحيرات تقيهم مخاطر الجفاف، بأجوائها البكر، وصمتها الملحمي، فهناك سبب لتسمية المنغوليين لأرضهم بأرض السماء الزرقاء.
في بعض الأحيان لا يكون في المشهد إلا خيمة دائرية وحيدة يميل لونها إلى البياض من الخيم المتباعدة، إنها خيم القساوسة المنغوليين المتنقلة التي تتخلل المناظر الطبيعية للبلاد، وعندما يحل الظلام تأتي النجوم لتلعب، حيث تظهر المليارات من نجوم «درب التبانة» - المجرة التي تنتمي إليها كوكبنا وبقية المجموعة الشمسية - قريبة وواضحة لدرجة أنك تتخيل أن بإمكانك أخذ حفنة منها.
التقِ جنكيز خان
كان يوصف بالإمبريالي في فترة الحكم السوفييتي، وتحول حالياً هذا المحارب المنغولي الشرس إلى علامة تجارية في بلاده لمشروبات الطاقة والتبغ والفنادق، وقد نُحت له تمثال يبلغ طوله 60 متراً داخل التلال التي تحيط بمدينة أولان باتور، وأنت تحط رحالك في مطارها الذي يحمل نفس اسم هذا البطل، يمكنك أيضاً رؤية تمثال فضي ضخم لخان العظيم بالقرب من مدينة نالايخ متلألئاً من على بعد أميال، في الواقع لا يعرف غير القليل من الناس عن الشائعات التي تقول إن خان مقبور في مكان ما في هينتي، وهي منطقة برية محروسة، أما عاصمة الخيام خاصته، كراكوروم فقد اندثرت منذ زمن طويل، إذ لم يتبق حالياً من أثار كراكوروم غير علامتين وحيدتين من العلامات الشاهدة عليها، فالرجل الذي أسس إمبراطورية امتدت من آسيا إلى فينيس، لم يخلف وراءه إرثاً ملموساً.
تناول أغرب وجبة إفطار
بو دوغ، هي طريقة قديمة وسهلة لطهو الطعام، تستخدم حتى اليوم من قبل الرعاة عندما يكونون بعيدين عن الديار، حيث يتم فتح حيوان المرموط شقاً ليتم حشوه بحجارة البحر المجمرة حتى يتفسخ الجلد ويُشوى اللحم بحرارتها، ثم يتم تناوله بعد ذلك، فلو كنت محظوظاً ربما يتم دعوتك لتناوله - يا سلاااام، يا له من طعام شهي مع شمس الصباح التي ترسل دفئها إلى داخل الخيمة، إنه كرم الرجال المعروف - آه، لن أغسل يديّ، أما الطريقة الثانية فهي خورخوغ، لحم الخروف المعطون في زبد الحليب الذي يتم طهوه على الجمر أيضاً.
أعجوبة المحاربين المنغوليين
كانت أوراسيا مرعوبة بشجاعة وإقدام وبأس المحاربين المنغوليين قبل 800 عام مضت، فلا غرو أن مهاراتهم القتالية ملازمة لصفحات التاريخ، لذلك يحيي المنغوليون مهرجان نادام كل عام للمنافسة على الرياضات الرجالية الثلاث: سباق الحصين، والمصارعة، والرماية، فالأطفال دون سن العاشرة يتسابقون بالحصين في مضمار طوله 20 كيلومتراً، ومصارعون من كل الفئات والأحجام يدخلون في مسابقات ثقيلة، فقد كان جنكيز خان يعتقد أنه بهذه الطريقة سوف يكون جنوده جاهزين وعلى أهبة الاستعداد في كل اللحظات، أما الرماة فيرمون أهدافهم بدقة متناهية، فمهرجان نادام الكبير يقام في شهر يوليو/تموز من كل عام في الملعب الوطني بنادام، ولكن مسابقات الريف البعيدة، هي المعاقل العذراء لتقاليد المراعي.
اكتشف العاصمة
في الحقيقة، تعتبر العاصمة نوعاً من أنواع دير الخيم المتنقلة، لذلك فهي المدينة المنغولية الوحيدة الأصيلة، فأفضل أوقات السياحة فيها خلال موسم الصيف، حيث تتمتع بأجوائها الجميلة، وبمبانيها غير المتناسقة التي يعود تاريخها إلى العهد السوفييتي، وخيمها المتناثرة، والأبنية الصينية الشاهقة واللامعة، فقد استفحلت ثقافة المقاهي مؤخراً، مصحوبة بالمطاعم الفاخرة ومحال الأزياء الكشميرية، والنصب التذكاري لبيتلز، والأغرب أنه يوجد هناك واحد من أجمل محال الليغو الدنماركية خارج الدنمارك، ومن أشهر منتجاتها لعبة الليغو. ويمثل معبد كوجين الآيل للسقوط، ثقافياً، جدارية بشعة للجحيم البوذي، كما أن هناك فرقة موسيقية تسمى فرقة «تومين آخ» بمسرح الشباب والأطفال متخصصة في سلسلة فن الغناء من الحلق، وملحمة الأغاني الطويلة، والرقصات الشيمانية والبهلوانية.
يأكلون لحم الضأن
يمكنك تناول كل الأطعمة من الأكلات الآسيوية إلى كنتكي فرايد تشيكن في أولان باتور، أما خارج العاصمة فإن لحوم الأغنام والماعز واللبن هي الوجبات الغذائية، فبعد فصل الصيف تكون منتجات الألبان متوفرة، وتسمى «الموسم الأبيض». فالمنغوليون يطفئون جوعهم، بلحم الضأن المسلوق، والمحمر والمطبوخ بأشكاله المتكورة التي تسمى «بووز» أو المعجنات التي تعرف ب «أخووشوور»، أما الحليب فيتم تسخينه لاستخلاص كرات السمن التي تسمى «أوروم»، ومن ثم يتم مسحها على نحو سميك على قطع الخبز الروسي، وبعدها تتحول إلى جمادات جبنة تسمى «آرول»، صلبة كالصخرة، بطعمها اللاذع.
تنزه في المدينة
إن النوم في الخيام المنغولية الجاهزة القاسية تجربة رعوية أساسية، ولكن العدد الزائد من الشركات السياحية العاملة بدأت في إنشاء مخيمات رعوية مستدامة تستهدف هواة المغامرة في الأدغال مع معدات مبتكرة فاخرة، فالرحلات الرعوية تدير أماكن التخييم في مواقع برية عذراء تميزها بيئة استحمام بالماء الساخن، والأسرّة المنقوشة باليد، مع بطانيات صوفية سميكة، فضلاً عن خيم الساونا، فللمغامرة الجسورة الحقة، تقوم الشركات العاملة بفتح مهبط للطائرات لجعل السياح يحلقون إلى فضاء منغوليا - 365 درجة من الفضاء العذري - كلها لك.
كن روحانياً
إن دير أردين زوو خيد، أهم موقع بوذي منغولي، فالبوذيون أتوا إلى منغوليا عبر الصين ونيبال، فالموقع شيد فوق حطام عاصمة جنكيز خان، كراكوروم، ولكن التقاليد الشيمانية القديمة تكشف النقاب عن نفسها فوق الأنقاض وقمم التلال وأكوام الحجارة التي تسمى «أفووس» حيث تتغلب عليها جماجم الحصين وأشرطة الأزياء الزرقاء، فاللون الأزرق يرمز إلى عبادة السماء، ولن تبدأ في فهمها إلا بعد قضاء أيام قليلة في السهول: فالسهل الأخضر المنبسط لا يتغير، مثلما يتغير لون السماء الأزرق السرمدي، بأكوام سحائبها الثقال المنتفخة، وأمطارها وصفير رياحها الثابت، الذي من شأنه أن يضفي بعداً خيالياً في ذهن كل شخص.
اكتشف الديناصورات
توجد في متحف أولان تابور للتاريخ الطبيعي، أسلحة متحجرة، ممسكة بمخالب لمجرم، ويبلغ طولها 30 سنتمتراً، تتدلى من الحائط، فهذه «الأيدي الفظيعة» التابعة للوحش، كانت حتى وقت قريب سراً من أسرار علم المتحجرات، فقد استخرجت في الستينات من صحراء غوبي الشرقية في منغوليا، ولم يعثروا على بقية الجثة إلا في 2014، كما أن أفضل الاكتشافات المتعلقة بالديناصورات تأتي من غوبي، لذا تقوم الشركات السياحية العاملة بزيارة مواقع الحفريات، وتشمل منحدرات فليمينغ في بيانزاج التي اكتشف فيها بيض الديناصورات لأول مرة في عام 1920.