موسكو: محمد علاء
«الكرملين»، كلمة روسية تعني قاعة، أو حصناً، وهو ما تمّت تسميته لأحد الصروح العريقة في العاصمة الروسية موسكو، الذي يعتبر رمزاً ومقراً للسلطة على مر العصور. مبنى الكرملين التاريخي يضم عدداً من القصور الفاخرة، ويطلق عليه مركز موسكو القديم، ويقع داخله القصر الرئاسي، ومقر رئيس الدولة، وعدد من الكنائس التاريخية، إضافة إلى متحف، والعديد من المباني والأسوار، ويحاط بجدار كبير يبلغ طوله نحو ميلين ونصف الميل، وارتفاعه 65 قدماً، ويطل على نهر موسكفا، وكاتدرائية سانت باسيل الشهيرة ذات الألوان المبهجة من الجنوب، والساحة الحمراء من الشرق، وحديقة ألكسندر من الغرب.
جريدة «الخليج» زارت القصر، وتجولت بين أرجائه، حيث يقع على تل بوروفيتسكي الذي يبلغ ارتفاعه 25 متراً، ويصب فيه نهر نيجلينايا، حيث يعود بناؤه إلى عام 1147 عبر قلعة خشبية أقامها الأمير يوري دولجوروكي، وتم تجديده في القرن الخامس عشر على يد قيصر روسيا وقتها، وهو إيفان الثالث الذي عاش فيه ما يقرب من 65 عاماً، وحكم ما يقرب من 43 عاماً، وقام باستدعاء مهندسين معماريين من روسيا وإيطاليا لتجديده، وتم على أساس الجمع بين تقاليد فن العمارة الروسي، والهندسة المعمارية الإيطالية في عصر النهضة، بناء ميدان الكاتدرائيات.
مجمع الكاتدرائيات
يضم القصر منطقة تسمى مجمع ساحة الكاتدرائيات، من بينها كاتدرائية «اوسبينسكي» (كاتدرائية الصعود، أي صعود العذراء) التي أنشأها المعماري الإيطالي أرسطو فيوروفانتي في أعوام 1475 - 1479 بوصفها الكنيسة الرئيسية لدولة روسيا، أما في الجهة المعاكسة لساحة الكرملين فأنشأ المعماري الإيطالي اليفيز نوفي في أعوام 1505-1508 كاتدرائية «ارخانجلسكي» (كبير الملائكة ميكائيل) باعتبارها مدفناً للأمراء المعظمين في موسكو، وزين الجهة الغربية للساحة قصر الأمير المعظم في موسكو إيفان الثالث، وفي جهة الجنوب تقع كاتدرائية «بلاجوفيشينسكي» (كاتدرائية البشارة) والتي بنيت في أعوام 1485-1489 بصفتها كنيسة خاصة بعائلة الأمير المعظم، وإلى جانبها كاتدرائية «اوسبينسكي» بصفتها كنيسة المتروبوليت، وبنيت كلتاهما على أيدي الأساتذة المعماريين الروس الذين استدعاهم إيفان الثالث من مدينة بسكوف.
خزينة الدولة
واحتل فضاء ما بين كاتدرائيتي «ارخانجلسكي» و«بلاجوفيشينسكي» مبنى خزينة الدولة، حيث خزن القسم الأكبر من نفائس الأمير المعظم، وفي أعوام 1505-1508 أنشأ المعماري بون فريازين، برج الأجراس، لإيفان الأكبر، وأكمل بذلك تكوين مجمع ساحة الكاتدرائيات في الكرملين. وتحولت الساحة المحاطة بأبنية متراصة إلى ميدان للاحتفالات في العراء لكونها مكاناً لإقامة المراسم.
ضريح لينين
تضم جنبات قصر الكرملين ضريح فلاديمير لينين قائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية الذي يرقد فيه جسده المحنط منذ وفاته عام 1924 حتى الآن، والضريح مشيد بهياكل الجرانيت الضخم، ومصممه هو اليكسي شتشوسيف الذي قام بتصميميه على نمط الأضرحة التقليدية القديمة.
«كاتدرائية القديس باسيل»
تُعَد أهم الكنائس الروسية التاريخية في موسكو وأروعها من ناحية الطراز المعماري النادر الذي تتميز به الكنيسة وقبابها التسع، وأبراجها المتفردة، التي صممها المهندس المعماري الروسي «بوستنك ياكفلوف»، وقد شيدها القيصر «إيفان الرهيب» في ذكرى انتصاره على التتار والاستيلاء على «كازان» في الفترة بين 1555 و1561.
المتحف التاريخي
من أهم وأكبر المتاحف في العالم من حيث عدد القطع الأثرية التي يحتويها المتحف، والتي تقدر بثلاثة ملايين قطعة ولوحة أثرية والتي تؤرخ لتاريخ روسيا منذ العصر الحجري حتى العصر الحديث.
«الجندي المجهول»
هو المزار الشهير الذي يقوم على حراسته جندي لا يتحرك من مكانه مهما كانت الظروف، ويقوم بالتناوب مع زملائه كل ساعة في مراسم عسكرية يشاهدها الزوار والسائحون.
شاهد على التاريخ ومقصد لتعليم الإسلام والزواج
مسجد موسكو.. الأكبر في أوروبا
من بين أربعة مساجد رئيسية في العاصمة الروسية «موسكو»، يبرق مسجد موسكو الكبير بتصاميمه وزخرفته الإسلامية الخلابة، المسجد «الجامع» أو المسجد المركزي الكبير، كما يطلق عليه.
يقع بالقرب من الاستاد الأولمبي المغلق في مركز المدينة، ويتسع إلى 15 ألف مصل، وهو من أكثر المساجد التي يقصدها المسلمون، خاصة في المناسبات، من صلوات الأعياد أو التراويح في رمضان، حيث يتم غلق الطرق في محيط المسجد، ويصل عدد المصلين داخله وخارجه حينها إلى 180 ألف مصل، ويفتح المسجد أبوابه أيضاً لغير المسلمين لتعلم الدين الإسلامي وتنظيم عقود الزواج وفق الأحكام الشرعية والحصول على فتاوى بأمور دينهم وحياتهم، كما يحتوي على مطعم لتقديم الأكل الحلال.
المسجد تم بناؤه في عام 1904 من قبل مجموعة من المسلمين التتار حينها، وخضع لأعمال ترميم وتوسعة شاملة تكلفت 170 مليون دولار، استمرت نحو 10 سنوات، قبل افتتاحه عام 2015 بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد من رؤساء الدول الإسلامية وشخصيات عربية وإسلامية رفيعة.
يتكون الجامع من خمسة طوابق، وقد تضاعفت مساحته عشرين مرة بعد التوسعة، لتبلغ 19 ألف متر مربع، وليوصف عند افتتاحه بأنه الأكبر في أوروبا، ويستوعب داخله أكثر من 15 ألف مصل دفعة واحدة، وتولى فنانون أتراك عملية التصميم الداخلي والأشغال الفنية الدقيقة على الطراز العثماني الكلاسيكي، وأهدوا إلى مسلمي روسيا منبر الجامع ومحرابه، بالإضافة إلى لوحات من الخط العربي على الطراز العثماني العائد للقرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ويصل وزن الثريا الرئيسية داخله إلى طن ونصف الطن، إضافة إلى أن مأذنتيه الذهبيتين يصل طولهما إلى 79 متراً.
وما إن تطأ أقدام الزائرين داخل المسجد، حتى تتدفق داخلهم المشاعر الروحانية والإيمانية، فالسجاد الفاخر الفيروزي، وكذلك اللون الأخضر الطاغي على النقوشات وطلاء القبة الرئيسية من الداخل بماء الذهب والنقوشات الجميلة عليها، تجعلك تشعر بالراحة والطمأنينة، وما يبهر الزائر أيضاً إضافة إلى ضخامة المسجد هو الثريا العملاقة في وسط المكان والمتدلية من بؤرة القبة الرئيسية للمسجد. في الطابق الأرضي المحراب والمنبر كبيرا الحجم، وهما مصنوعان بشكل متقن وجميل وفق الطراز العثماني الفريد.
يضم المسجد بين رحابه «متحف الإسلام»، حيث تعرض في صناديق عرض زجاجية لوحات ونسخ تاريخية من القرآن الكريم مكتوبة بخط اليد وقطعة من كسوة الكعبة ومجسم صغير للمسجد، إضافة إلى نسخة من إحدى صحف القرآن المكتوبة بالفضة وتعود للقرن الثامن.
الخطب في مسجد الجامع بثلاث لغات، الأولى العربية، وإضافة إلى المصلى، يوجد عدد من الأبنية الملحقة بالمسجد، بعضها لبيع التذكارات منه، والبعض الآخر لبيع الأطعمة «الحلال» واللباس الشرعي، وقاعات للمؤتمرات والمعارض.